فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مولى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [11. 12].
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مولى لَهُمْ} أي: لا ناصر لهم يدفع عنهم العذاب. إذا حاق بهم {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعَامُ} أي: غير مفكّرين في المعاد. ولا معتبرين بسنة الله. كغفلة الأنعام عن النحر والذبح. فلا هم لهم إلا الاعتلاف دون غيره {وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} أي: مأواهم بعد مماتهم.
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهواءهُمْ} [13. 14].
{وَكَأَيِّن} أي: وكم: {مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} يعني مكة. على حذف مضاف: {أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} أي: على برهان. وحجة. وبيان من أمر ربه. والعلم بوحدانيته. فهو يعبده على بصيرة منه {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} أي: فأراه إياه الشيطان حسنًا. فهو مقيم عليه {وَاتَّبَعُوا أَهواءهُمْ}.
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسن وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ولهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هو خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ}.
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسن} أي: متغيّر الريح: {وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} أي: من القذى. وما يوجد من عسل الدنيا: {ولهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هو خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} أي: من فرط حرارته.
لطيفة:
{مَثَلُ الْجَنَّةِ} مبتدأ خبره: {كَمَنْ هو خَالِدٌ} بتقدير حرف إنكار ومضاف؛ أي: أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد. أوأمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد. فلفظ الآية. وإن كان في صورة الإثبات. هو في معنى الأنكار والنفي. لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الأنكار. وانسحاب حكمه عليه. وهو قوله: {أَفَمَن كَانَ} الخ. وليس في اللفظ قرينة على هذا. وإنما هو من السياق. وإن فيه جزالة المعنى. وثم أعاريب أخر. هذا أمتنها.
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قالوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قال آنفًا أولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهواءهُمْ}.
{وَمِنْهُم} أي: ومن هؤلاء الكفار: {مَّن} أي: كافر منافق: {يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قالوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي: من الصحابة. استهزاء بما سمعوه من المتلو. وتهاونًا به: {مَاذَا قال آنفًا} أي: الساعة. هل فيه هدى؟ فإن بينوه لم يستفيدوا منه شيئًا {أولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي: فلا يدخلها الهدى لآبائهم عنه: {وَاتَّبَعُوا أَهواءهُمْ} أي: ارائهم. لا ما يدعوا إليه البرهان.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهم تَقْواهُمْ}.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا} أي: بإتباع الحق. والمشي مع الحجة: {زَادَهُمْ هُدًى} أي: بيانًا لحقيقة ما جاءهم: {وآتاهم تَقْواهُمْ} أي: أعانهم عليها. أوآتاهم جزاء تقواهم. أوبين لهم ما يتقون.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} قال ابن كثير: أي: أمارات اقترابها. كقوله تبارك وتعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأولى أَزِفَتِ الْازِفَةُ} [النجم: 56- 57]. وكقوله جلت عظمته: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]. وقوله سبحانه وتعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]. وقوله جل وعلا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]. فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة. لأنه خاتم الرسل. الذي أكمل الله تعالى به الدين. وأقام به الحجة على العالمين. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها. وأبان عن ذلك وأوضحه. بما لم يؤته نبيّ قبله. كما هو مبسوط في موضعه.
وقال الحسن البصري: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة. وهو كما قال. ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبيّ التوبة. ونبيّ الملحمة. والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه. والعاقب الذي ليس بعده نبي.
روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بإصبعيه هكذا- بالوسطى. والتي تليها: «بعثت أنا والساعة كهاتين».
{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} أي: ذكرى ما قد ضيعوا وفرّطوا فيه من طاعة الله إذا جاءتهم الساعة. يعني: أن ليس ذلك بوقت ينفعهم فيه التذكر والندم؛ لأنه وقت مجازاة. لا وقت استعتاب واستعمال.
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}.
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} قال ابن جرير: أي: فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أوتصلح له الألوهية ويجوز لك وللخلق عبادته. إلا الله الذي هو خالق الخلق. ومالك كل شيء. يدين له بالربوبية كل ما دونه. والفاء فصيحة في جواب شرط معلوم. مما مر من أول السورة إلى هنا. من حال الفريقين.
قال السيوطي: وقد استدل بالآية من قال بوجوب النظر. وإبطال التقليد في العقائد. ومن قال بأن أول الواجبات. المعرفةُ قبل الإقرار.
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} قال ابن جرير: أي: وسل ربك غفران سالف ذنوبك وحادثها. وذنوب أهل الإيمان بك من الرجال والنساء. قال الشهاب: وإنما أعيد الجار؛ لأن ذنوبهم جنس آخر غير ذنب النبي صلى الله عليه وسلم. فإن ذنوبهم معاص كبائر وصغائر. وذنبه ترك الأولى.
وقال السيوطي: استدل بالآية من أجاز الصغائر على الأنبياء. انتهى.
والمسألة مبسوطة بأقوالها. وما لها وما عليها في (الفصل) لابن حزم. فارجع إليه.
وفي (الصحيح) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي هزلي. وجدي. وخطاياي. وعمدي. وكل ذلك عندي».
وفي (الصحيح) أنه كان يقول في آخر الصلاة: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به مني. أنت إلهي لا إله إلا أنت».
وفي (الصحيح) أنه قال: «يا أيها الناس! توبوا إلى ربكم. فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} أي: متصرفكم فيما تتصرفون فيه. وإقامتكم على ما تقيمون عليه من الأقوال والأعمال. فيجازيكم عليه. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}.
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة. أن المؤمنين. إن نصروا ربه نصرهم على أعدائهم. وثبت أقدامهم. أي عصمهم من الفرار والهزيمة.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة. وبين في بعضها صفات الذين وعدهم بهذا النصر كقوله تعالى: {وليَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] ثم بين صفات الموعودين بهذا النصر في قوله تعالى بعده {الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة وَاتَوُاْ الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهواْ عَنِ المنكر وللَّهِ عَاقِبَةُ الأمور} [الحج: 41] وكقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نصرالمؤمنين} [الروم: 47]. وقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمنوا فِي الحياة الدنيا} [غافر: 51] وقوله تعالى: {ولقد سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171- 173] إلى غير ذلك من الآيات. وقوله تعالى في بيان صفات من وعدهم بالنصر في الآيات المذكورة: {الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة وَاتَوُاْ الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف} [الحج: 41] الآية. يدل على أن الذين لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر. ليس لهم وعد من الله بالنصر ألبتة.
فمثلهم كمثل الأجير الذي لم يعمل لمستأجره شيئًا ثم جاءه يطلب منه الأجرة.
فالين يرتكبون جميع المعاصي ممن يتسمون باسم المسلمين ثم يقولون: إن الله سينصرنا مغرورون لأنهم ليسوا من حزب الله الموعدين بنصره كما لا يخفى.
ومعنى نصر المؤمنين لله. نصرهم لدينه ولكتابه. وسعيهم وجهادهم. في أن تكون كلمته هي العليا. وأن تقام حدوده في أرضه. وتتمثل أوامره وتجتنب نواهيه. ويحكم في عباده بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}.
قد قدمنا إيضاحه في سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} [هود: 83]. وأحلنا على الآيات الموضحة لذلك في سورة الروم في الكلام على قوله تعالى: {أَولم يَسيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرض} [الروم: 9] الآية. وأوضحناها في الزخرف في الكلام على قوله: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا} [الزخرف: 8] الآية وفي الأحقاف في الكلام على قوله تعالى: {ولقد مَكَّنَاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: 26] الآية. وفي غير ذلك من المواضع.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)}.
التي توضح معنى هذه الآية. هي المشار إليها في نفس الآية. التي ذكرنا قبلها.
وماتضمنته هذه الآية الكريمة. من إخراج كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم منها بينه في غير هذا الموضع. كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوليَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءَكُمْ مِّنَ الحق يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة: 1] الآية. وقوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أو يقْتُلُوكَ أو يخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30].
وقد أخرجوه فعلًا بمكرهم المذكور. وبين جل وعلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين أخرجوا من ديارهم لا ذنب لهم يستوجبون به الآخراج إلا الإيمان بالله. كما قال تعالى: {الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقولواْ رَبُّنَا الله ولولا دَفْعُ الله} [الحج: 40] وقال تعالى: {يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ} [الممتحنة: 1] أي يخرجون الرسول وإياكم لأجل إيمانكم بربكم.
وقال تعالى في إخراجهم له {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نكثوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول} [التوبة: 13] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير ابن كثير بهمزة مفتوحة بعد الكاف وياء مشددة مكسورة ونون ساكنة.
وقرأه ابن كثير وكائن. بألف بعد الكاف. وهمزة مكسورة.
وكلهم عند الوقف يقفون على النون الساكنة. كحال الصلة. إلا أبا عمروفإنه يقف على الياء.
وقد قدمنا أوجه القراءة في كأين ومعناها. وما فيها من اللغات. مع بعض الشواهد العربية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [الحج: 45] الآية.
قوله تعالى: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسن وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِين}. الآية.
أنهار الماء. وأنهار الخمر التي ذكرها الله في هذه الآية بين بعض صفاتها. في آيات أخرى كقوله تعالى: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} [البقرة: 25- 266] في آيات كثيرة. وقوله: {وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ} [الواقعة: 31]. وقوله: {إِنَّ المتقين فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات: 41] وقوله: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [الغاشية: 12]. وقد بين تعالى من صفات خمر الجنة أنها لا تسكر شاربها. ولا تسبب له الصداع الذي هو وجع الرأس في آيات من كتابه كقوله تعالى: {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ولا يُنزِفُونَ} [الواقعة: 19]. وقوله: {لاَ فِيهَا غَول ولا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [الصافات: 47].
وقد قدمنا معنى هذه الآيات بإيضاح في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] الآية. وقوله تعالى في الآية الكريمة {غَيْرِ آسن} أي غير متغير اللون ولا الطعم. والاسن والاجن معناهما واحد. ومنه قول ذي الرمة:
ومنهل اجن قفر محاضره ** تذروا الرياح على جماته البعرا

وقول الراجز:
ومنهل فيه الغراب ميت ** كأنه من الأجون زيت

سقيت منها القوم واستقيت

وبما ذكرنا تعلم أن قوله: غير آسن كقوله: من لبن لم يتغير طعمه.
قوله تعالى: {ولهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات}.
قد بين تعالى في سورة البقرة أن الثمار التي يرزقها أهل الجنة يشبه بعضها بعضًا في الجودة والحسن والكمال. ليس فيها شيء رديء. وذلك في قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قالواْ هذا الذي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة: 25].
قوله تعالى: {وَسُقُواْ مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُم}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الحج. في الكلام على قوله تعالى: {هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ فالذين كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} [الحج: 19- 20] الآية.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له. في سورة الزخرف. في الكلام على قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [الزخرف: 66].
قوله تعالى: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}.
التحقيق إن شاء الله تعالى. في معنى هذه الآية الكريمة. أن الكفار يوم القيامة. إذا جاءتهم الساعة. يتذكرون ويؤمنون بالله ورسوله. وأن الإيمان في ذلك الوقت لا ينفهم لفوات وقته فقوله: {ذِكْرَاهُم} مبتدأ خبره {فَأَّنَّى لَهُمْ} أي كيف تنفعهم ذكراهم وأيمانهم بالله. وقد فات الوقت الذي يقبل فيه الإيمان.